يوم الطبيعة في إيران: تعايش بين التقاليد العريقة وأسلوب الحياة الحديث

یوم الطبیعة فی إیران: تعایش بین التقالید العریقة وأسلوب الحیاة الحدیث

حلّ يوم الطبيعة في إيران، حيث يرى العديد من الخبراء أنه يمثل توازنًا بين التقاليد القديمة وأسلوب الحياة العصري خاصة في العاصمة طهران.

وكالة تسنيم الدولية للأنباء - باعتباره اليوم الثالث عشر من عيد النوروز، يشكّل يوم الطبيعة الحلقة الأخيرة من احتفالات رأس السنة الإيرانية. واحتفالًا بهذه المناسبة، تجمّعت العائلات في الحدائق العامة، وسفوح جبال البرز، والمساحات الخضراء المحيطة بالمدينة، لإحياء الطقوس الثقافية الخاصة وتعزيز الوعي البيئي.

هذا اليوم، الذي يمتد جذوره إلى معتقدات إيرانية تعود لآلاف السنين، يعكس في محافظة طهران مزيجًا فريدًا من التقاليد القديمة والعادات الحضرية الحديثة، ليشكل صورة حيوية عن التعايش بين الثقافة والطبيعة.

أصول تاريخية ليوم الطبيعة

تشير المصادر التاريخية إلى أن يوم الطبيعة يعود إلى ما قبل ظهور الديانة الزرادشتية، حيث كان الرقم 13 يُعتبر رمزًا للفوضى والاضطراب لدى الإيرانيين القدماء، لذا كانوا يقضون هذا اليوم في أحضان الطبيعة لطرد النحس وجلب البركة.

وفي هذا السياق، يوضح محمد رضا تاجيك، خبير التراث الثقافي: "اعتقد الإيرانيون القدماء أن التقاء الربيع بتجدد الطبيعة والخروج الجماعي إلى الهواء الطلق من شأنه أن يبدد الطاقات السلبية. واليوم، يستمر هذا التقليد في شكل تجمعات عائلية واحترامٍ للبيئة."

حدث جماهيري يحتاج إلى إدارة منسقة

في محافظة طهران، أصبح يوم الطبيعة حدثًا واسع النطاق يتطلب تنسيقًا بين مختلف الجهات لإدارته بفعالية.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 4 ملايين شخص قد خرجوا اليوم إلى حوالي 125 متنزهًا رئيسيًا والمناطق الطبيعية المحيطة بالمدينة، بما في ذلك دركة، جمشيدية، وحديقة خجير الوطنية، ما يعكس الأهمية المتزايدة لهذا الحدث في الحياة الحضرية.

الطقوس التقليدية ليوم الطبيعة لا تزال حاضرة رغم الحداثة

مع بزوغ فجر يوم الطبيعة، خرجت العائلات في طهران محملة بسلّات الطعام، والشتلات الخضراء، وأدوات اللعب إلى المساحات الخضراء للاحتفال بهذه المناسبة.

إجراءات بيئية وتنظيمية واسعة

لإدارة هذا الحدث الجماهيري، تم نشر أكثر من 1000 عامل من فرق الخدمات الحضرية، إلى جانب إقامة 500 محطة لإعادة التدوير في مختلف مناطق طهران. كما لاقت الحملات التوعوية لدفن سبزه النوروزي (شتلة وغرسة خضراء) في التربة بدلاً من إلقائه في الأنهار استجابة واسعة بين المواطنين، في خطوة تهدف إلى حماية البيئة وتعزيز السلوكيات المستدامة.

التقاليد القديمة تبقى رغم تأثير الحداثة

على الرغم من تأثر يوم الطبيعة بإيقاع الحياة العصرية في طهران، إلا أن الطقوس التقليدية ما زالت قائمة.

من أبرز هذه العادات إعداد أطباق رمزية تحمل دلالات ثقافية، مثل:

سبزي بلو مع السمك – رمزًا للتجدد والبركة

آش رشته – دلالة على التضامن والرخاء

الكباب – جزء أساسي من التجمعات العائلية في الهواء الطلق

كما تحرص العائلات على أخذ أجزاء من مائدة "هفت سين" (السينات السبع)، خاصة السبزه والسمنو، لتعزيز ارتباطهم بالعيد.

أحد أكثر الطقوس إثارة للاهتمام هو عقد الفتيات الشابات لعيدان السبزه، وذلك كرمز للتمني بحياة زوجية سعيدة، وهو تقليد قديم يعكس الموروث الثقافي العريق لهذا اليوم.

يوم الطبيعة: تعزيز اللعب الجماعي ونشر ثقافة الغذاء الصحي

لم يعد يوم الطبيعة مجرد احتفال تقليدي، بل أصبح مشهدًا للتفاعل بين العادات القديمة والتكنولوجيا الحديثة. حيث وثّقت العديد من العائلات لحظاتها في الطبيعة من خلال التصوير ومشاركة الصور على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أُطلقت حملات رقمية تهدف إلى تعزيز الوعي البيئي، مثل الحد من النفايات البلاستيكية والتشجيع على عدم تلويث الطبيعة.

فرصة لتعزيز التماسك الاجتماعي والتعليم البيئي

يُنظر إلى يوم الطبيعة على أنه أكثر من مجرد نزهة، إذ يُعتبر فرصة لتعزيز التلاحم المجتمعي ونشر الوعي البيئي.

في هذا السياق، صرّح محسن خرمي شريف، رئيس بلدية قرچك، خلال زيارته لأحد المتنزهات:

"اليوم أثبت الناس أنه يمكن إيجاد توازن بين التقاليد الوطنية ومتطلبات الحياة العصرية. وتركزت فعالياتنا الثقافية في هذا اليوم حول ثلاثة محاور: احترام الطبيعة، الألعاب الجماعية، والترويج للغذاء الصحي."

العودة إلى المنزل مع غروب الشمس

ومع اقتراب المساء، يبدأ سكان طهران بدفن سبزه النوروزي في التربة، كما جرت العادة، قبل العودة إلى منازلهم.

يمثل يوم الطبيعة تجسيدًا لمقاومة الثقافة الإيرانية أمام تحديات التمدن، حيث يثبت عامًا بعد عام أن التقاليد يمكن أن تتكيف مع العصر الحديث دون أن تفقد جوهرها.

/انتهى/

 
 
الأكثر قراءة الأخبار ثقافة ، فن ومنوعات
أهم الأخبار ثقافة ، فن ومنوعات
عناوين مختارة